زيارة مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مستحبة في أي وقت من أوقات العام سواء أكان ذلك قبل الحج أم بعده ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) رواه مسلم ، وذلك لما لمسجده صلى الله عليه وسلم من فضيلة عظيمة حيث تضاعف العبادة ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) ، وليست زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم شرطاً لصحة الحج كما قد يظنه البعض .
فإذا توجه المسافر قاصد زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم فليكثر من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم في طريقه ، وليستحضر في قلبه شرف المدينة ، وأنها أفضل الأرض بعد مكة عند بعض العلماء ، وعند بعضهم أفضلها مطلقا ، فإذا وصل باب مسجده صلى الله عليه وسلم ، فليقدم رجله اليمنى وليقل: " بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك " كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد .
ثم يصلي ركعتين تحية المسجد، والأفضل أن تكونا في الروضة الشريفة ، بدون إيذاء للآخرين ، وموضع الروضة ما بين منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحجرته ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين : ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي ) ، ويدعو فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ، وأما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يحافظ عليها في الصفوف الأولى .
وبعد الصلاة يذهب لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فيقف مواجها القبر الشريف ، مستحضرا في قلبه جلالة ومنزلة من هو بحضرته ، ثم يسلم ، قائلاً : " السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته " ، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأي صيغة من صيغ الصلاة عليه ، كأن يقول: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " ، وإن قال : " أشهد أنك قد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وجاهدت في الله حق جهاده ، فلا بأس بذلك ، لأن ذلك كله من أوصافه عليه الصلاة والسلام.
ثم يتنحى إلى يمينه قليلاً فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه قائلا : السلام عليك يا أبا بكر صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيه في الغار ، جزاك الله عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ثم يتنحى إلى يمينه أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا : السلام عليك يا عمر الذي أعزّ الله به الإسلام ، جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرا ، ويدعو لهما ويترضى عنهما ، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد على قوله : " السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه . ثم ينصرف " رواه البيهقي . وليس ما ذكرناه من صيغ السلام نصاً لازما ، فلو سلم بأي صيغة فيها صفته أجزأه.
ويكره للزائر أن يرفع صوته رفعا فاحشا عند القبر بالسلام ؛ لأن ذلك ينافي الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى : { يا أيها الذي آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }( الحجرات : 2) ، ولا يشرع للزائر استقبال القبر عند الدعاء فإن ذلك خلاف ما كان عليه السلف رضي الله عنهم ، وإنما يستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويمجده ويدعو لنفسه بما شاء ولوالديه ، ومن شاء من أقاربه ومشايخه وإخوانه وسائر المسلمين.
ولا يجوز سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضاء الحوائج أو تفريج الكروب ، أو نحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله سبحانه .
وينبغي للزائر أن يحرص على أداء الصلوات الخمس في مسجده - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يغتنم وقته بالإكثار من الذكر والدعاء وصلاة النافلة ؛ لما في ذلك من الأجر الجزيل .
ويسن له زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزور مسجد قباء راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : ( من تطهر في بيته ، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة ) ، ويسنّ له أيضاً زيارة البقيع ، وقبور شهداء أحد ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزورهم ويدعو لهم ، وليتذكر العبد الآخرة ، ويدعو بالدعاء المأثور : " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية " .