أقسم الله تعالى بالبلد الحرام في موضعين من كتابه، فقال: { وهذا البلد الأمين } (التين:3)، وقال تعالى:{ لا أقسم بهذا البلد } (البلد:1)؛ وما ذلك إلا لفضل هذه البقعة المباركة وشرفها على غيرها، وليس على الأرض بقعة فرض الله على العباد قصدها والتوجّه إليها سوى هذه البلدة، فلا عجب إذاً أن تكون هذه الأرض المباركة أحب البقاع إلى الله، وأحب البقاع إلى قلب خير الأنبياء، وقلوب المؤمنين الصادقين .
وبالنظر في نصوص الوحيين نجد أن لمكة خصائص معينة ، تميّزت بها عن سواها ، وتعلقت بها جملة من الأحكام التي ينبغي مراعاتها ، لذا نرى لزاما علينا أن نقف على شيء من تلك الخصائص ، ونُجملها فيما يلي :
1- كونها قبلة للمؤمنين ، يقصدونها حين الصلاة ، قال الله عزوجل : { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } ( البقرة : 144 ) ، وقال عزوجل : { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون } .
2- أن الله عزوجل جعلها أم القرى، قال الله عزوجل : { ولتنذر أم القرى ومن حولها } ( الأنعام : 92 ) ، يقول الإمام ابن كثير في تفسيره : " وسميت مكة أم القرى لأنها أشرف من سائر البلاد " ، فكل القرى تابعة لها ، وفرع عليها .
3- مضاعفة الحسنات فيها، لا سيما الصلوات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ) رواه أحمد و صححه الأرناؤوط ، ومضاعفة الحسنات فيها مبنيّ على حرمتها ومكانتها عند الله كما قرر ذلك كثير من العلماء .
4- عظم قدر السيئة فيها، وذلك مأخوذ من قول الله تعالى : { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } ( الحج : 25 ) ، فتوعّد على مجرّد إرادة السيئة في الحرم ، يقول الإمام ابن القيّم : " فالسيئة في حرم الله وبلده، آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض ، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه " .
5- جعلها الله تعالى حرما آمنا يمتنع فيه القتال ، ولا يُعضد شجرها ، أو يُنّفر صيدها ، ويأمن الناس فيها على أنفسهم وأموالهم، فهي الأمان التام لكل خلق الله، قال الله تعالى: { ومن دخله كان آمنا } (آل عمران: 97)، وقال تعالى:{ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين } (النمل: 91)، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة،لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها ولا يعضد شوكها، ولا يختلى خلاها ) ولم يُستثن من ذلك سوى نبات الإذخر؛ للحاجة إليه، كما دلّت على ذلك الروايات الصحيحة .
6- كونها أحب البقاع إلى الله تعالى : فعن عبدالله بن عدي رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته واقفاً بالحزْوَرَة يقول : ( والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت ) رواه الترمذي و ابن ماجة .
7- كونها مظنّة إجابة الدعاء فيها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحجاج والعمار وفد الله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم ) رواه النسائي و ابن ماجة وصححه الألباني .
8- عدم جواز دخول المشركين فيها ، لقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ( التوبة : 28 ) .
9- عدم جواز التقاط لقطتها إلا لمن أراد أن يعرّفها أبداً دون أن يتملّكها ، لحديث ابن عباس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحل لقطتها إلا لمنشد ) رواه البخاري .
10- حرمة استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ، ولكن شرّقوا أو غرّبوا ) ، متفق عليه ، وهذا الحكم مختصٌ بمن كان في مكان خال دون من كان بالبنيان عند جمعٍ من أهل العلم .
11- أن الدجال لا يمكنه دخول مكة ولا المدينة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ، إلا مكة والمدينة ) ، رواه البخاري و مسلم .
12- أن الله تعالى تولّى الدفاع عنها ، كما حصل ذلك في عام الفيل ، وكما سيحصل في آخر الزمان ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يغزو جيش الكعبة ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خُسف بأولهم وآخرهم ) رواه البخاري .
13- اختصاص تلك البلدة بانجذاب القلوب إليها ، ومحبة الخلق لها ، استجابة لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام : { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } ( إبراهيم : 37 ) .