ؤلاء الأنقياء الأوفياء لثورتهم الذين ثبتوا على النضال ببطونهم الخاوية لمدة تسعة أيام معتصمين ومضربين عن الطعام أمام مجلس الشعب، لم يكونوا طلاب منفعة شخصية، أو باحثين عن مجد زائف.
إن الستين شخصا الذين علقوا إضرابهم أمس، على أن ينتقلوا إلى الاحتجاج سلميا أمام المحكمة الدستورية اليوم، من أجل تطبيق قانون العزل ليس من بينهم قريب أو صديق أو مستفيد من مرشح رئاسى، ولا يحلم أحدهم بزعامة تضعه فوق الأكتاف والأعناق، بل هم تعبير عن ضمير مصر الحى، المحتفظ ببراءته ونظافته، بمنأى عن ألعاب النواب وألاعيب النخب.
لقد اعتصم هؤلاء عند مبنى البرلمان، الذى هو بيت الأمة، ومستودع إرادة ومطالب الشعب، هذا الشعب الذى دفع من لحمه الحى وأرواحه الذكية آلاف الشهداء والمصابين، فى ثورة قامت لتنظيف البلاد من نظام فاسد مستبد.. ذهبوا إلى هناك يقاومون بالصوم من أجل مصر، ونيابة عنها كى لا يتم إحياء خلايا النظام الساقط، ويتصدون لهجمة مضادة عاتية تستهدف الإجهاز على ثورة المصريين، مشكلين حاجزا أخلاقيا يحول دون الارتداد بمصر إلى عصر القمع والإهانة والفقر والمذلة.
واختاروا مبنى البرلمان، على اعتبار أنه المؤسسة الوحيدة المنتخبة فى مصر، مدافعين عن كرامتها وحقها فى التشريع، منتظرين أن يتضامن معهم نواب الشعب، ولو حتى بالكلام، غير أن أهل البرلمان تعاملوا معهم باستهانة، ولم يحركوا ساكنا أمام دعوتهم النبيلة لهم لكى يشاركوهم المقاومة السلمية.
وطوال تسعة أيام لم يتضامن معهم سوى النائب كمال أبوعيطة الذى أمضى ليلتين معهم على الرصيف، وزارهم عدد آخر من النواب لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فيما لاذ نواب الأغلبية بصمت أشبه بصمت القبور، ومن نطق منهم جاء بكلام لا يتصور أنه يصدر عن شخص يمثل شعبه، فمنهم من تندر ومنهم من أظهر بلادة إنسانية غير مسبوقة.
إن الطفل «على» ابن الـ11 عاما صمد تسعة أيام معتصما ومضربا عن الطعام وسط مجموعة من أنبل الشبان والشابات لإيقاظ الضمير الوطنى، موجها رسالة شديدة البساطة والعفوية مؤداها «الموت ولا مذلة الرجوع لعصر ما قبل الثورة»، معبرا عن دهشته من أحدا فيما يسمى برلمان الثورة لا يجيب ولا يستجيب، بل يتسللون إلى ومن داخل مبنى البرلمان عابرين فوق أمعاء يفتك بها الجوع تسعة أيام متواصلة، دون أن يفكر أحدهم فى التوقف ولو لمجرد إظهار التعاطف والتأييد لمطالب مجردة من كل هوى شخصى أو منفعة ذاتية.
ولا يختلف ما فعله نواب الأمة عن رد فعل النخب السياسية، إلا فيما ندر، حيث اشترك الجميع فى ترك هؤلاء نهبا للجوع والإنهاك دون أن يقدم أحد على تقديم شىء إيجابى يبنى على هذه الرسالة المهمة الصادرة عن الاعتصام.
ويبقى أن هذا الاعتصام حقق نتائج مهمة، ففى أثنائه جرى تحديد موعد نظر قانون العزل أمام الدستورية، والأهم أنه نقر زجاج نوافذ الضمير النائم.
شكرا أيها النبلاء.
وائل قنديل